فارس التاريخ رحل ولم يترجل../ زياد منى Hitskin_logo Hitskin.com

هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداكالرجوع الى صفحة بيانات التصميم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    فارس التاريخ رحل ولم يترجل../ زياد منى

    avatar
    AHMED ALRASHED
    مؤســـــ فرسان التطوير ـــــس
    مؤســـــ فرسان التطوير ـــــس


    عدد المساهمات : 252
    تاريخ التسجيل : 30/08/2011

    فارس التاريخ رحل ولم يترجل../ زياد منى Empty فارس التاريخ رحل ولم يترجل../ زياد منى

    مُساهمة من طرف AHMED ALRASHED الجمعة سبتمبر 02, 2011 8:27 am

    عندما يكتب المرء عن عظيم أمة أثرى العالم بكتاباته، من قامة الأستاذ الكبير كمال الصليبي، لا يكون في مواجهة مهمة شاقة، ذلك أنّ عطاءاته العلمية تراها في كل مكان وفي كل زاوية، لكن الأمر الصعب حقاً هو الكتابة عن فارس التاريخ الذي رحل ولم يترجّل. هنا، يختلط مداد بمساحة المحيطات، بدموع لا تتوقف عن الانهمار حزناً على رحيل المؤرخ والمعلم والمربي، وفي المقام الأول الإنسان، الذي أثّر في كل من التقاه، ولو كان ذلك لسويعات قليلة.

    تعرفت إلى الأستاذ الراحل قبل ما يزيد على عشرين عاماً. وقتذاك، كنتُ ما زلت مقيماً في ألمانيا وأعد رسالة الدكتوراه الثانية عن موضوعته، الموضوعة الكمالية، عن تاريخ بني إسرائيل في جنوب شرقي جزيرة العرب. طلبت مساعدته وإشرافه على أعمالي التي كانت تتعثر لأسباب كثيرة، فلم يتردد لحظة. منذ ذلك اليوم، توطّدت بيننا علاقة أكاديمية وإنسانية، بين تلميذ وأستاذ، بين عالم فاح عطره العالم بكتاباته وموضوعاته، وباحث يتلمس خطواته في طريق معلمه. كان العالم قد عرفه قبل طرح موضوعته الكمالية، عندما نشر كتابه عن تاريخ جزيرة العرب، فعدته "الموسوعة البريطانية" المرجع عن الموضوع. عبقرية الراحل الكبير لم تكمن فقط في تقديم موضوعته عن جغرافية تاريخ بني إسرائيل في عسير، كما ترد في "الكتاب المقدس"، بل أيضاً في كونه أول من قدم إلى العرب "علم الدراسات الكِتَابِيَّة/ Biblical Studies" الذي يعرفه العالم باسم "عش الأفاعي" أو "عش العقارب"، لأنّ الباحث فيه إن ارتكب غلطة واحدة تكون الأولى، وفي الوقت نفسه الأخيرة.

    خطرت لي عندئذ فكرة إجراء حوار مطوّل معه ليشرح عبره موضوعته الكماليَّة للقارئ بتوسع يُنشر كتيباً. طلب مني التريث، لكنه في نهاية المطاف اقتنع وذهبت للقائه في عمان، وكانت المرة الأولى التي نلتقي فيها شخصياً. جلسنا في مكتبه وفي بيته ساعات طويلة، على مدار يومين، أجاب فيها عن كل سؤال طرحته، من دون ملل. اتفقنا على أن تبقى تسجيلات الحوار لديّ لا أنشرها من دون موافقته، وهكذا كان.

    الصليبي من العلماء النادرين الذين أثبتوا صحة وجود علاقة طردية بين العلم والتواضع. كان يشعر بأن العلماء الغربيين عارضوه ووقفوا ضده لكونه عربياً. وكان شديد الاعتزاز بهويته العربية، وكثيراً ما ردد أمامي استياءه من عنصرية الغرب. كان يقول: "لقد وقفوا ضد موضوعتي لأني عربيّ". وتعرض الراحل لسيل شتائم مدّعي المعرفة والعلم في صحافة التكفيريين، لكنه لم يكن يلتفت إليها، ولم تؤثر فيه وفي قناعاته، مع أنه كان يتألم من الشتائم. في الوقت نفسه، أسرّ لي مرة بأنه لم يقرأها أصلاً حتى يكترث لها، وحسناً فعلتَ أستاذي الكبير.

    كان قد نشر العديد من الأبحاث في مجلات إنكليزية متخصصة، لذا لم يطلع القارئ العربي عليها. وقد وافق، بلا تردد، على أن أقوم بترجمتها ونشرها. الآن لديه كتاب واحد عن موضوعته لم ينشر بالعربية، كتبه باللغة الإنكليزية هو The Historicity of Biblical Israel وصدر عن "المعهد الملكي" في عمان. كان يتردد في نشره بالعربية ويقول: "لا أريد مشاكل إضافية". فانتظر. بعد مرور سنوات عدة سمح لي بترجمته إلى العربية، على ألا أنشره إلا بعد موافقته. كان قد عاد وقتذاك إلى بيروت، وكنت حريصاً على نيل شرف لقائه في منزله في منطقة الحمرا، كلما زرت المدينة.

    في الفترة الأخيرة، عانى مشاكل صحية حدت من مقدرته على المشي والقراءة، لكن عقله المبدع وذهنه بقيا متوقدين يشعان نوراً، وهذا ما حمّسني على اقتراح إجراء لقاء صحافي معه لجريدة "الأخبار" نشرته في 23 شباط (فبراير) عام 2009. رغم معاناته الصحية، جلس معي في بيته ساعات طويلة يجيب فيها عن أسئلتي، ويشرح للقارئ جوهر موضوعته. كان يقول لي، متودداً خلال فترة اللقاء: "إذا تعبتَ يمكنك التوقف للاستراحة!".

    كثيراً ما "تنزهنا" معاً في الشوارع المحيطة بمنزله، حيث كان يصر على المشي، نتجول بين معهد التراث الدرزي، حيث عمل فترة، ومكتبات شارع الحمرا. يحدثني عن مشاريعه المختلفة وعمله فيها، وكان حينذاك متفرغاً لنشر كتاب عن رياض الصلح، وأحدّثه عن خططي للنشر. وقد التقيته للمرة الأخيرة قبل أسابيع قليلة في بيروت، حيث كان يسير رفقة الأخ والزميل العزيز سليمان بختي، ومتكئاً على ذراعه. أخبرته عن تعثر العمل في ترجمة مؤلَّفه، الذي أذن لي أخيراً بنشره، وأضفت إنني سأستأنف مراجعته فابتسم متفهماً.

    كمال الصليبي، أيها العالم الكبير بلا ادعاء، المبدع بلا نظير، المربي المتفاني، لقد ازدادت حياتي ثراءً بالتعرف إليك، ومعارفي تعمقت بقراءة ما كتبتَ، وأثْرَت كلماتك تجاربي في مختلف مناحي الحياة، كما أثرَت حيوات كثيرين من طلابك.

    وبيروت بلا كمال الصليبي أفقر. كمال الصليبي لم يرحل، بل استحال نجماً يشع في سماء بلادنا المعتمة، فيرينا الطريق المستقيم. أستاذي الفاضل، كمال الصليبي، كل المفردات واللغات التي تعلّمتُها لا تكفي للحديث عن دقيقة في حضرتك. أنت فارس لا يترجل...

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 11, 2024 6:16 am